فصل: الخبر عن شأن عيسى بن مريم صلوات الله عليه في ولادته وبعثته ورفعه من الأرض والإلمام بشأن الحواريين بعده وكتبهم الأناجيل الأربعة وديانة النصارى بملته واجتماع الأقسة على تدوين شريعته:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن شأن عيسى بن مريم صلوات الله عليه في ولادته وبعثته ورفعه من الأرض والإلمام بشأن الحواريين بعده وكتبهم الأناجيل الأربعة وديانة النصارى بملته واجتماع الأقسة على تدوين شريعته:

كان بنو ماثان من ولد داود صلوات الله عليه كهنونية بيت المقدس وهو ماثان بن ألعازر بن أليهود بن أخس بن رادوق بن عازور بن ألياقيم بن أيود بن زور قابل بن سالات بن يوخنانيا بن يوشيا السادس عشر من ملوك بني إسرائيل بن أمون بن عمون ابن منشا بن حزقيا بن أحاز بن يواش بن أحزيا بن يورام بن يهوشافاظ بن أسا بن رحبعم بن سليمان ابن داود صلوات الله عليهما ويوخنانيا بن يوشيا السادس عشر من ملوك بني سليمان ولد في جلاء بابل وهذا النسب نقلته من إنجيل متى وكانت الكهنونية العظمى من بعد بني حشمناي لهم وكان كبيرهم قبل عصر هيردوس عمران أبو مريم ونسبه ابن إسحق إلى أمون بن منشا الخامس عشر من ملوك بيت المقدس من لدن سليمان أبيهم وقال فيه عمران بن ياشم بن أمون وهذا بعيد لأن الزمان بين عمون وعمران أبعد من أن يكون بينهما أب واحد فإن أمون كان قبيل الخراب الأول وعمران كان في دولة هيردوس قبيل الخراب الثاني وبينهما قريب من أربعمائة سنة ونقل ابن عساكر والظن أن ينقل عن مستند أنه من ولد زريافيل الذي ولي على بني إسرائيل عند رجوعهم إلى بيت المقدس وهو ابن يخنيا آخر ملوكهم الذي حبسه بختنصر وولى عمه صدقيا هو بعده كما مر وقال فيه: عمران بن ماثان بن فلان بن فلان إلى زريافيل وعد نحوا من ثمانية آباء بأسماء عبرانية لا وثوق بضبطها وهو أقرب من الأول وفيه ذكر ماثان الذي هو شهرتهم ولم يذكره ابن اسحق.
وكان عمران أبو مريم كهنونا في عصره وكانت تحته حنة بنت فاقود بن فيل وكانت من العابدات وكانت أختها إيشاع ويقال خالتها تحت زكريا بن يوحنا ونسبه ابن عساكر إلى يهوشافاظ خامس ملوك القدس من عهد سليمان أبيهم وعد ما بينه وبين يهوشافاظ اثني عشر أبا أولهم يوحنا بأسماء عبرانية كما فعل في نسب عمران ثم قال وهو أبو يحيى صلوات الله عليهما ويقال بالمد والقصر من غير ألف وكان نبيا من بني إسرائيل صلوات الله عليهم ونقلت من كتاب يعقوب بن يوسف النجار مثان يعني ماثان من سبط داود وكان له ولدان يعقوب ويؤاقيم ومات فتزوج أمهما بعده مطنان ومطنان بن لاوي من سبط سليمان بن داود وسمي ماثان فولدت هالي من مطنان ثم تزوج ومات ولم يعقب فتزوج امرأته أخوه لأمه يعقوب بن ماثان فولدت منه يوسف خطيب مريم ونسب إلى هالي لأن من أحكام التوراة إن مات من غير عقب فامرأته لأخيه وأول ولد منها ينسب إلى الأول فلهذا قيل فيه يوسف بن هالي بن مطنان وإنما هو يوسف بن يعقوب بن ماثان وهو ابن عم مريم لحا.
وكان ليوسف من البنين خمسة بنين وبنت وهم يعقوب ويوشا وبيلوت وشمعون ويهوذا وأختهم مريم كانوا يسكنون بيت لحم فارتحل بأهله ونزل ناصرة وسكن بها وتعلم النجارة حتى صار يلقب بالنجار وتزوج يؤاقيم حنة أخت إيشاع العاقر امرأة زكريا بن يوحنا المعمدان وأقامت ثلاثين سنة لا يولد لها فدعوا الله وولد لها مريم فهي بنت يؤاقيم موثان وهو مثان وولدت إيشاع العاقر من زكريا ابنه يحيى قلت في التنزيل مريم ابنة عمران فليعلم أن معنى عمران بالعبرانية يؤاقيم وكان له اسمان.
وعن الطبري وكانت حنة أم مريم لا تحبل فنذرت لله إن حملت لتجعلن ولدها حبيسا ببيت المقدس على خدمته على عاداتهم في نذر مثله فلما حملت ووضعتها لفتها في خرقتها وجاءت بها إلى المسجد فدفعتها إلى عباده وهي ابنة أمامهم وكهنونهم فتنازعوا في كفالتها وأراد زكريا أن يستبد بها لأن زوجه إيشاع خالتها ونازعوه في ذلك لمكان أبيها من إمامهم فاقترعوا فخرجت قرعة زكريا عليها فكفلها ووضعها في مكان شريف من المسجد لا يدخله سواها وهو المحراب فيما قيل والظاهر أنها دفعتها إليهم بعد مدة إرضاعها.
فأقامت في المسجد تعبد الله وتقوم بسدانة البيت في نوبتها حتى كان يضرب بها المثل في عبادتها وظهرت عليها الأحوال الشريفة والكرامات كما قصه القرآن وكانت خالتها إيشاع زوج زكريا أيضا عاقرا وطلب زكريا من الله ولدا فبشره بيحيى نبيا كما طلب لأنه قال يرثني ويرث من آل يعقوب وهم أنبياء فكان كذلك وكان حاله في نشوه وصباه عجبا وولد في دولة هيردوس ملك بني اسرائيل وكان يسكن القفار ويقتات الجراد ويلبس الصوف من وبر الإبل وولاه اليهود الكهنونية ببيت المقدس ثم أكرمه الله بالنبوة كما قصه القرآن وكان لعهده على اليهود بالقدس أنطفيس بن هيردوس وكان يسمى هيردوس باسم أبيه وكان شريرا فاسقا واغتصب امرأة أخيه وتزوجها ولها ولدان منه ولم يكن ذلك في شرعهم مباحا فنكر ذلك عليه العلماء والكهنونية وفيهم يحيى بن زكريا المعروف بيوحنان ويعرفه النصارى بالمعمدان فقتل جميع من نكر عليه ذلك وقتل فيهم يحيى صلوات الله عليه وقد ذكر في قتله أسباب كثيرة وهذا أقربها إلى الصحة.
وقد اختلف الناس هل كان أبوه حيا عند قتله فقيل إنه لما قتل يحيى طلبه بنو إسرائيل ليقتلوه ففر أمامهم ودخل في بطن شجرة كرامة له فدلهم عليه طرف ردائه خارجا منها فشقوها بالمنشار وشق زكريا فيها نصفين وقيل بل مات زكريا قبل هذا والمشقوق في الشجرة إنما هو شعيا النبي وقد مر ذكره وكذلك اختلف في دفنه فقيل دفن ببيت المقدس وهو الصحيح وقال أبو عبيد بسنده إلى سعيد بن المسيب أن بختنصر لما قدم دمشق وجد دم يحيى بن زكريا يغلي فقتل على دمه سبعين ألفا فسكن دمه ويشكل أن يحيى كان مع المسيح في عصر واحد باتفاق وأن ذلك كان بعد بختنصر بأحقاب متطاولة وفي هذا ما فيه وفي الإسرائيليات من تأليف يعقوب بن يوسف النجار أن هيردوس قتل زكريا عندما جاء المجوس للبحث عن إيشوع والإنذار به وأنه طلب ابنه يوحنا ليقتله مع من قتل من صبيان بيت لحم فهربت به أمه إلى الشقراء واختفت فطالب به أباه زكريا وهو كهنون في الهيكل فقال لا علم لي هو مع أمه فتهدده وقتله ثم قال بعد قتل زكريا بسنة تولى الكهنونية يعقوب بن يوسف إلى أن مات هيرودوس.
وأما مريم سلام الله عليها فكانت بالمسجد على حالها من العبادة إلى أن أكرمها الله بالولاية وبين الناس في نبوتها خلاف من أجل خطاب الملائكة لها وعند أهل السنة أن النبوة مختصة بالرجل قاله أبو الحسن الأشعري وغيره وأدلة الفريقين في أماكنها وبشرت الملائكة باصطفاء الله لها وأنها تلد ولدا من غير أب يكون نبيا فعجبت من ذلك فأخبرتها الملائكة أن الله قادر على ما يشاء فاستكانت وعلمت أنها محنة بما تلقاه من كلام الناس فاحتسبت.
وفي كتاب يعقوب بن يوسف النجار أن أمها حنة توفيت لثمان سنين من عمر مريم وكان من سنتهم أنها إن لم تقبل التزويج يفرض لها من أرزاق الهيكل فأوحى الله إليه أن يجمع أولاد هارون ويردها إليهم فمن ظهرت في عصاه آية تدفعها إليه تكون له شبه زوجة ولا يقربها وحضر الجمع يوسف النجار فخرج من عصاه حمامة بيضاء ووقفت على رأسه فقال له زكريا هذه عزراء الرب تكون لك شبه زوجة ولا تردها فاحتملها متكرها بنت اثنتي عشرة سنة إلى ناصرة فأقامت معه إلى أن خرجت يوما تستقي من العين فعرض لها الملك أولا وكلمها ثم عاودها وبشرها بولادة عيسى كما نص القرآن فحملت وذهبت إلى زكريا ببيت المقدس فوجدته على الموت وهو يجود بنفسه فرجعت إلى ناصرة ورأى يوسف الحمل فلطم وجهه وخشي الفضيحة مع الكهنونية فيما شرطوا عليه فأخبرته بقول الملك فلم يصدق وعرض له الملك في نومه وأخبره أن الذي بها من روح القدس فاستيقظ وجاء إلى مريم فسجد لها وردها إلى بيتها ويقال إن زكريا حضر لذلك وأقام فيهما سنة اللعان الذي أوصى به موسى فلم يصبهما شيء وبرأهما الله ووقع في إنجيل متى أن يوسف خطب مريم ووجدها حاملا قبل أن يجتمعا فعزم على فراقها خوفا من الفضيحة فأمر في نومه أن يقبلها وأخره الملك بأن المولود من روح القدس وكان يوسف صديقا وولد على فراشه إيشوع انتهى.
وقال الطبري: كانت مريم ويوسف بن يعقوب ابن عمها وفي رواية عنه أنه ابن خالها وكانوا سدنة في بيت المقدس لا يخرجان منه إلا لحاجة الإنسان وإذا نفد ماؤهما فيملآن من أقرب المياه فمضت مريم وتخلف عنها يوسف ودخلت المغارة التي كانت تعهد أنها للورد فتمثل لها جبريل بشرا فذهبت لتجزع فقال لها {إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا} فاستسقاها وعن وهب بن منبه أنه نفخ في جيب درعها فوصلت النفخة إلى الرحم فاشتملت على عيسى فكان معها ذو قرابة يسمى يوسف النجار وكان في مسجد بجبل صهيون وكان لخدمته عندهم فضل وكانا يجمرانه ويقمانه وكانا صالحين مجتهدين في العبادة ولما رأى بها من الحمل استعظمه وعجب منه لما يعلم من صلاحها وأنها لم تغب قط عنه ثم سألها فردت الأمر إلى قدرة الله فسكت وقام بما ينوبها من الخدمة فلما بان حملها أفضت بذلك إلى خالتها إيشاع وكانت أيضا حبلى بيحيى فقالت لها إني أرى ما في بطني يسجد لها في بطنك ثم أمرت بالخروج من بلدها خشية أن يعيرها قوهما ويقتلوا ما في بطنها فاحتملها يوسف إلى مصر وأخذها المخاض في طريقها فوضعته كما قصه القرآن واحتملته على الحمار وأقامت تكتم أمرها من الناس وتتحفظ به حتى بلغ اثنتي عشرة سنة وظهرت عليه الكرامات وشاع خبره فأمرت أن ترجع به إلى إيلياء فرجعت وتتابعت عنه المعجزات وانثال الناس عليه يستشفون ويسألون عن الغيوب.
قال الطبري: وفي خبر السدي أنها إنما خرجت من المسجد لحيض أصابها فكان نفخ الملك وأن إيشاع خالتها التي سألتها عن الجمل وناظرتها فيه فحجتها بالقدرة وأن الوضع كان في شرقي بيت لحم قريبا من بيت المقدس وهو الذي بنى عليه بعض ملوك الروم البناء الهائل لهذا العهد.
قال ابن العميد مؤرخ النصارى: ولد لثلاثة أشهر من ولادة يحيى بن زكريا ولإحدى وثلاثين من دولة هيردوس الأكبر ولاثنتين وأربعين من ملك أوغسطس قيصر.
وفي الإنجيل أن يوسف تزوجها ومضى بها ليكتم أمرها في بيت لحم فوضعته هنالك ووضعته في مذود لأنها لم يكن لها موضع نزل وأن جماعة من المجوس بعثهم ملك الفرس يسألون أين ولد الملك العظيم؟ وجاءوا إلى هيردوس يسألونه وقالوا جئنا لنسجد له وحدثوه بما أخبر الكهان وعلماء النجوم من شأن ظهوره وأنه يولد ببيت لحم ابن سنتين فما دونها وسمع أوغسطس قيصر بخبر المجوس فكتب إلى هيردوس يسأله فكتب له بمصدوقية خبره وأنه قتل من الصبيان وكان يوسف النجار قدر أمر أن يخرج به إلى مصر فأقام هنالك اثنتي عشرة سنة وظهرت عليه الكرامات وهلك هيردوس الذي كان يطلبه وأمروا بالرجوع إلى إيليا فرجعوا وظهر صدق شعيا النبي في قوله عنه من مصر دعوتك وفي كتاب يعقوب بن يوسف النجار حذرا من أن يكتب كما أمر أوغسطس في بعض أيامه فاجأها المخاض وهي في طريقها على حمار فصابرته إلى قرية بيت لحم وولدت في غار وسماه إيشوع وأنه لما بلغ سنتين وكان من أمر المجوس ما قدمناه حذر هيرودوس من شأنه وأمر أن يقتل الصبيان ببيت لحم فخرج يوسف به وبأمه إلى مصر أمر بذلك في نومه وأقام بمصر سنتين حتى مات هيردوس ثم أمر بالرجوع فرجع إلى ناصرة وظهرت عليه الخوارق من إحياء الموتى وإبراء المعتوهين وخلق الطير وغير ذلك من خوارقه حتى إذا بلغ ثماني سنين كف عن ذلك.
ثم جاء يوحنان المعمدان من البرية وهو يحيى بن زكريا ونادى بالتوبة والدعاء إلى الدين وقد كان شعيا أخبر أنه يخرج أيام المسيح وجاء المسيح من الناصرة ولقيه بالأردن فعمده يوحنان وهو ابن ثلاثين سنة ثم خرج إلى البرية واجتهد في العبادة والصلاة والرهبانية واختار تلامذته الاثني عشر: سمعان بطرس وأخوه أندراوس ويعقوب بن زيدي وأخوه يوحنا وفيليبس وبرتولوماوس وتوما ومتى العشار ويعقوب بن حلفا وتداوس وسمعان القناني ويهوذا الأسخريوطي وشرع في إظهار المعجزات ثم قبض هيرودوس الصغير على يوحنان وهو يحيى بن زكريا لنكيره عليه في زوجة أخيه فقتله ودفن بنابلس.
ثم شرع المسيح الشرائع من الصلاة والصوم وسائر القربات وحلل وحرم وأنزل عليه الإنجيل وظهرت على يديه الخوارق والعجائب وشاع ذكره في النواحي واتبعه الكثير من بني إسرائيل وخافه رؤساء اليهود على دينهم وتآمروا في قتله وجمع عيسى الحواريين فباتوا عنده ليلتين يطعمهم ويبالغ في خدمتهم بما استعظموه قال وإنما فعلته لتتأسوا به وقال يعظهم ليكفرن بي بعضكم قبل أن يصيح الديك ثلاثا ويبيعني أحدكم بثمن بخس وتأكلوا ثمني ثم افترقوا وكان اليهود قد بعثوا العيون عليهم فأخذوا شمعون من الحواريين فتبرأ منهم وتركوه وجاء يهوذا الأسخريوطي وبايعهم على الدلالة عليه بثلاثين درهما وأراهم مكانه الذي كان يبيت فيه وأصبحوا به إلى فلاطش النبطي قائد قيصر على اليهود وحضر جماعة الكهنونية وقالوا هذا يفسد ديننا ويحل نواميسنا ويدعي الملك فاقتله وتوقف فصاحوا به وتوعدوه بإبلاغ الأمر إلى قيصر فأمر بقتله.
وكان عيسى قد أبلغ الحواريين بأنه يشبه على اليهود في شأنه فقتل ذلك الشبه وصلب وأقام سبعا وجاءت أمه تبكي عند الخشبة فجاءها عيسى وقال: مالك تبكي؟ قالت: عليك قال: إن الله رفعني ولم يصبني إلا خير وهذا شيء شبه لهم وقولي للحواريين يلقوني بمكان كذا فانطلقوا إليه وأمرهم بتبليغ رسالته في النواحي كما عين لهم من قبل وعند علماء النصارى أن الذي بعث من الحواريين إلى رومة بطرس ومعه بولس من الأتباع ولم يكن حواريا وإلى أرض السودان والحبشة ويعبرون عن هذه الناحية بالأرض التي تأكل أهلها والناس متى العشار وأندراوس إلى أرض بابل والمشرق توماس وإلى أرض أفريقية فيلبس وإلى أفسوس قرية أصحاب الكهف يوحناس وإلى أورشيلم وهي بيت المقدس يوحنا وإلى أرض العرب والحجاز برتلوماوس وإلى أرض برقة والبربر شمعون القناني.
قال ابن إسحق: ثم وثب اليهود على بقية الحواريين يعذبونهم ويفتنونهم وسمع قيصر بذلك وكتب إليه فلاطش النبطي قائده بأخباره ومعجزاته وبغي اليهود عليه وعلى يوحنان قبله فأمرهم بالكف عن ذلك ويقال قتل بعضهم وانطلق الحواريون إلى الجهات التي بعثهم إليها عيسى فآمن به بعض وكذب بعض ودخل يعقوب أخو يوحنان إلى رومة فقتله غاليوس قيصر وحبس شمعون ثم خلص وسار إلى أنطاكية ثم رجع إلى رومة أيام قلوديش قيصر بعد غاليوس واتبع كثير من الناس وآمن به بعض نساء القياصرة وأخبرها بخبر الصليب فدخلت إلى القدس وأخرجته من تحت الزبل والقمامات بمكان الصلب وغشته بالحرير والذهب وجاءت به إلى رومة.
وأما بطرس كبير الحواريين وبولص اللذان بعثهما عيسى صلوات الله عليه إلى رومة فإنهما مكثا هنالك يقيمان دين النصرانية ثم كتب بطرس الإنجيل بالرومية ونسبه إلى مرقص تلميذه وكتب متى إنجيله بالعبرانية في بيت المقدس ونقله من بعد ذلك يوحنان بن زيدي إلى رومة وكتب لوقا إنجيله بالرومية وبعثه إلى بعض أكابر الروم وكتب يوحنا بن زيدي إنجيله برومة ثم اجتمع الرسل الحواريون برومة ووضعوا القوانين الشرعية لدينهم وصيروها بيد إقليمنطس تلميذ بطرس وكتبوا فيها عد الكتب التي يجب قبولها فمن القديمة: التوراة خمسة أسفار وكتاب يوشع بن نون وكتاب القضاة وكتاب راعوث وكتاب يهوذا وأسفار الملوك أربعة كتب وسفر بنيامين وسفر المقباسين ثلاثة كتب وكتاب عزرا الإمام وكتاب أشير وكتاب قصة هامان وكتاب أيوب الصديق ومزامير داود النبي وكتب ولده سليمان خمسة ونبوات الأنبياء الصغار والكبار ستة عشر كتابا وكتاب يشوع بن شارخ ومن الحديثة: كتب الإنجيل الأربعة وكتب القتاليقون سبع رسائل وكتاب بولس أربع عشرة رسالة والإبركسيس وهو قصص الرسل ويسمى أفليمد ثمانية كتب تشتمل على كلام الرسل وما أمروا به ونهوا عنه.
وكتاب النصارى الكبار إلى أساقفتهم الذين يسمون البطارقة ببلاد معينة يعلمون بها دين النصرانية فكان: برومة بطرس الرسول الذي بعثه عيسى صلوات الله عليه وكان ببيت المقدس يعقوب النجار وكان بالاسكندرية مرقص تلميذ بطرس وكان بيزنطية وهي قسطنطينية أندرواس الشيخ وكان بإنطاكية.
وكان صاحب هذا الدين عندهم والمقيم لمراسمه يسمونه البطرك وهو رئيس الملة وخليفة المسيح فيهم ويبعث نوابه وخلفاءه إلى من بعد عنهم من أمم النصرانية ويسمونه الأسقف أي نائب البطرك ويسمون القرا بالقسيس وصاحب الصلاة بالجاثليق وقومه المسجد بالشمامسة والمنقطع الذي حبس نفسه في الخلوة للعبادة الراهب والقاضي بالمطران ولم يكن بمصر بذلك العهد أسقف إلى أن جاء دهدس الحادي عشر من أساقفة اسكندرية وكان بطرك أساقفة بمصر وكان الأساقفة يسمون البطرك أبا والقسوس يسمون الأساقفة أبا فوقع الاشتراك اسم الأب فاخترع اسم البابا لبطرك الاسكندرية ليتميز عن الأسقف في اصطلاح القسوس ومعناه أبو الأباء فاشتهر هذا الاسم ثم انتقل إلى بطرك رومة لأنه صاحب كرسي بطرس كبير الحواريين ورسول المسيح وأقام على ذلك لهذا العهد يسمى البابا.
ثم جاء بعد قلوديش قيصر نيرون قيصر فقتل بطرس كبير الحواريين وبولص اللذين بعثهما عيسى صلوات الله عليه إلى رومة وجعل مكان بطرس أرنوس برومة وقتل مرقص الإنجيلي تلميذ بطرس وكان بالاسكندرية يدعو إلى الدين سبع سنين ويبعثه في نواحي مصر وبرقة والمغرب وقتله نيرون وولى بعده حنينيا وهو أول البطاركة عليها بعد الحواريين وثار اليهود في دولته على أسقف بيت المقدس وهو يعقوب النجار وهدموا البيعة ودفنوا الصليب إلى أن أظهرته هيلانة أم قسطنطين كما نذكره بعد وجعل نيرون مكان يعقوب النجار ابن عمه شمعون بن كيافا.
ثم اختلفت حال القياصرة من بعد ذلك في الأخذ بهذا الدين وتركه كما يأتي في أخبارهم إلى أن جاء قسطنطين بن قسطنطين باني المدينة المشهورة وكانت في مكانها قبله مدينة صغيرة تسمى بيزنطية وكانت أمه هيلانة صالحة فأخذت بدين المسيح لاثنتين وعشرين سنة من ملك قسطنطين ابنها وجاءت إلى مكان الصليب فوقفت عليه وترحمت وسألت عن الخشبة التي صلب عليها بزعمهم فأخبرت بما فعل اليهود فيها وأنهم دفنوها وجعلوا مكانها مطرحا للقمامة والنجاسة والجيف والقاذورات فاستعظمت ذلك واستخرجت تلك الخشبة التي صلب عليها بزعمهم وقيل من علامتها أن يمسها ذو العاهة فيعافى لوقته فطهرتها وطيبتها وغشتها بالذهب والحرير ورفعتها عندها للتبرك بها وأمرت ببناء كنيسة هائلة بمكان الخشبة تزعم أنها قبره وهي التي تسمى لهذا العهد قمامة وخربت مسجد بني اسرائيل وأمرت بأن تلقى القاذورات والكناسات على الصخرة التي كانت عليها القبة التي هي قبلة اليهود إلى أن أزال ذلك عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه عند فتح بيت المقدس كما نذكره هنالك.
وكان من ميلاد المسيح إلى وجود الصليب ثلثمائة وثمان وعشرون سنة وأقام هؤلاء النصرانية بطاركتم وأساقفتهم على إقامة دين المسيح على ما وضعه الحواريون من القوانين والعقائد والأحكام ثم حدث بينهم اختلاف في العقائد وسائر ما ذهبوا إليه من الإيمان بالله وصفاته وحاش لله وللمسيح وللحواريين أن يذهبوا إليه وهو معتقدهم التثليث وإنما حملهم عليه ظواهر من كلام المسيح في الإنجيل لما يهتدوا إلى تأويلها ولا وقفوا على فهم معانيها مثل قول المسيح حين صلب بزعمهم: أذهب إلى أبي وأبيكم وقال: افعلوا كذا وكذا من البر لتكونوا أبناء أبيكم في السماء وتكونوا تامين كما أن أباكم الذي في السماء تام وقال له في الإنجيل إنك أنت الابن الوحيد وقال له شمعون الصفا إنك ابن الله حقا فلما أثبتوا هذه الأبوة من ظاهر هذا اللفظ زعموا أن عيسى ابن مريم من أب قديم وكان اتصاله بمريم تجسد كلمة منه مازجت جسد المسيح وتدرعت به فكان مجموع الكلمة والجسد ابنا وهو ناسوت كلي قديم أزلي وولدت مريم إلها أزليا والقتل والصلب وقع على الجسد والكلمة ويعبرون عنهما بالناسوت واللاهوت.
وأقاموا على هذه العقيدة ووقع بينهم فيها اختلاف وظهرت مبتدعة من النصرانية اختلفت أقوالهم الكفرية كان من أشدهم ابن دنصان ودافعهم هؤلاء الأساقفة والبطاركة عن معتقدهم الذين كانوا يزعمونه حقا وظهر يونس الشميصاني بطرك انطاكية بعد حين أيام افلوديس قيصر فقال بالواحدانية ونفى الكلمة والروح وتبعه جماعة على ذلك ثم مات فرد الأساقفة مقالته وهجروها ولم يزالوا على ذلك إلى أيام قسطنطين بن قسطنطين فتنصر ودخل في دينهم وكان باسكندرية أسكندروس البطرك وكان لعهده أريوش من الأساقفة وكان يذهب إلى حدوث الابن وأنه إنما خلق الخلق بتفويض الأب إليه في ذلك فمنعه اسكندروس الدخول إلى الكنيسة واعلم أن إيمانه فاسد وكتب بذلك إلى سائر الأساقفة والبطاركة في النواحي وفعل ذلك بأسقفين آخرين على مثل رأي أريوش فدفعوا أمرهم إلى قسطنطين وأحضرهم جميعا لتسع عشرة من دولته وتناظروا ولما قال أريوش: إن الابن حادث وان الأب فوض إليه بالخلق وقال الاسكندروس: بالخلق استحق الألوهية فاستحسن قسطنطين قوله وأذن له أن يشد بكفر أريوش.
وطلب الاسكندروس باجتماع النصرانية لتحرير المعتقد الإيماني فجمعهم قسطنطين وكانوا ألفين وثلثمائة وأربعين أسقفا وذلك في مدينة نيقية فسمي المجتمع مجتمع نيقية وكان رئيسهم الإسكندروس بطرك إسكندرية وأسطانس بطرك أنطاكية ومقاريوس أسقف بيت المقدس وبعث سلطوس بطرك رومة بقسيس حضر معهم لذلك نيابة عنه فتفاوضوا وتناظروا واتفقوا عنهم بعد الاختلاف الكثير على ثلثمائة وثمانية عشر أسقفا على رأي واحد فسار قسطنطين إلى قولهم وأعطى سيفه وخاتمه وباركوا عليه ووضعوا له قوانين الدين والملك ونفى أريوش وأشيد بكفره وكتبوا العقيدة التي اتفق عليها أهل ذلك المجمع ونصها عندهم على ما نقله ابن العميد من مؤرخيهم والشهرستاني في كتاب الملل والنحل وهو:
نؤمن بالله الواحد الأحد الأب مالك كل شيء وصانع ما يرى وما لا يرى وبالابن الوحيد إيشوع المسيح ابن الله ذكر الخلائق كلها وليس بمصنوع إله حق من جوهر أبيه الذي بيده أتقنت العوالم وكل شيء الذي من أجلنا ومن أجل خلاصنا بعث العوالم وكل شيء الذي نزل من السماء وتجسد من روح القدس وولد من مريم البتول وصلب أيام فيلاطوس ودفن ثم قام في اليوم الثالث وصعد إلى السماء وجلس على يمين أبيه وهو مستعد للمجيء تارة أخرى بالقضاء بين الأحياء والأموات وتؤمن بروح الواحد روح الحق الذي يخرج من أبيه بمعمودية واحدة لغفران الخطايا وبجماعة قدسية مسيحية جاثليقية وبقيام أبداننا بالحياة الدائمة أبد الآبدين انتهى.
هذا هو اتفاق المجمع الأول الذي هو مجتمع نيقية وفيه إشارة إلى حشر الأبدان ولا يتفق النصارى عليه وإنما يتفقون على حشر الأرواح ويسمون هذه العقيدة الأمانة ووضعوا معها قوانين الشرائع ويسمونها الهيمايون.
وتوفي الإسكندروس البطرك بعد هذا المجمع بخمسة أشهر ولما عمرت هلانة أم قسطنطين الكنائس وأحب الملك أن يقدسها ويجمع الأساقفة لذلك وبعث أوسانيوس بطرك القسطنطينية وحضر معهم أثناس بطرك الإسكندرية واجتمعوا في صور وكان أوسانيوس الذي أخرجه اسكندروس مع أربوس من كنيسة إسكندرية.
وكان بسب بذلك مجمع نيقية وكتاب الأمانة ونفي أريوس حينئذ وأوسانيوس وصاحبهما ولعنوا جاء أوسانيوس من بعد ذلك وأظهر البراءة من أريوس ومن مقالته فقبله قسطنطين وجعله بطركا بالقسطنطينية فلما اجتمعوا في صور وكان فيهم أومانيوس على رأي أريوس فأشار أوسانيوس بطرك القسطنطينية بأن يظاهر أثناس بطرك الإسكندرية عن مقالة أريوس فقال أومانيوس: إن أريوس لم يقل إن المسيح خلق العالم وإنما قال هو كلمة الله التي بها خلق كما وقع في الإنجيل فقال أثناس بطرك الإسكندرية: وهذا الكلام أيضا يقتضي أن الابن مخلوق وأنه خلق المخلوقات دون الأب لأنه إذا كان يخلق به فالأب لم يخلق شيئا لأنه مستعين بغيره والفاعل بغيره محتاج إلى ذلك المتمم فهو في ذاته الخالق والله سبحانه منزه عن ذلك وإن زعم أريوس أن الأب يريد الشيء والابن يكونه فقد جعل فعل الابن أتم لأن الأب إنما له الإرادة فقط وللابن الإختراع فهو أتم.
فلما ظهر بطلان مقالة أريوس وثبوا على أومانيوس المناظر عن مقالة أريوس وضربوه ضربا وجيعا وخلصه ابن أخت الملك ثم قدسوا الكنائس وانفض الجمع وبلغ الخبر إلى قسطنطين فندم على بطركية أوسانيوس بالقسطنطينية وغضب عليه ومات لسنتين من رياسته واجتمع بعد ذلك أصحاب أريوس إلى قسطنطين فحسنوا له تلك المقالة وأن جماعة نيقية ظلموا أريوس وبغوا عليه وصدوا عن الحق في قولهم إن الأب مساو للابن في الجوهرية وكاد الملك أن يقبلا منهم فكتب إليه كيراش أسقف بيت المقدس يحذره من مقالة أريوس فقبل ورجع واختلف حال ملوك القياصرة بعد قسطنطين في الأخذ بالأمانة أو بمقالة أريوس وظهور إحدى الطائفتين متى كان الملك على دينهم وأفحش بعض ملوك القياصرة في الحق على مخالفه فقال له بعض العلماء والحكماء: لا تنكر المخالفة فالحنفاء يختلفون أيضا وإنما هو الخلق يحمدون الله ويصفونه بالصفات الكثيرة والله يحب ذلك فسكن بعض الشيء وكان بعضهم يعرض عن الطائفتين ويخلي كل أحد ودينه ثم كان المجمع الثاني بقسطنطينية بعد مجمع نيقية بمائتين وخمسين سنة اجتمعوا للنظر في مقالة مقدونيوس وسليوس بأن جسد المسيح بغيرنا موت وأن اللاهوت أغناه عنها مستدلين بما وقع في الإنجيل أن الكلمة صار لحما ولم يقل صار إنسانا وجعلا من الإله عظيما وأعظم منه والأب أفضل عظما وقال: إن الأب غير محدود في القوة وفي الجواهر فأبطلوا هذه المقالة ولعنوهما وأشادوا بكفرهما وزادوا في الأمانة التي قررها جماعة نيقية ما نصه: ونؤمن بروح القدس المنتقى من الأب ولعنوا من يزيد بعد ذلك على كلمة الأمانة أو ينقص منها.
ثم كان لهم بعد ذلك بأربعين سنة المجمع الثالث على نسطوريوس البطرك بالقسطنطينة لأنه كان يقول: إن مريم لم تلد إلها وإنما ولدت إنسانا وإنما اتحد به في المشيئة لا في اللذات وليس هو إلها حقيقية بل بالمواهبة والكرامة ويقول بجوهرين وأقنومين: وهذا الرأي الذي أظهره نسطوريوس كان رأي تاودوس وديودوس الأسقفين وكان من مقالتهما أن المولود من مريم هو المسيح والمولود من الآب هو الابن الأزلي والابن الأزلي حل في المسيح المحدث فسمي المسيح ابن الله بالموهبة والكرامة وإنما الاتحاد بالمشيئة والإرادة فأثبتوا لله ولدين أحدهما بالجوهر والثاني بالنعمة وبلغت مقالة نسطوريوس إلى كرلس بطرك اسكندرية فكتب إلى بطرك رومة وهو أكليمس وإلى يوحنا وهو بطرك أنطاكية وإلى يونالوس أسقف بيت المقدس فكتبوا إلى نسطوريوس ليدفعوه عن ذلك بالحجة فلم يرجع ولا التفت إلى قولهم فاجتمعوا في مدينة أفسيس في مائتين أسقفا للنظر في مقالته فقرروا إبطالها ولعنوه وأشاروا بكفره ووجد عليهم يوحنا بطرك انطاكية حيث لم ينتظروا حضوره فخالفهم ووافق نسطوريوس ثم أصلح بينهم باوداسوس من بعد مدة واتفقوا على نسطوريوس وكتب أساقفة المشارقة أمانتهم وبعثوا بها إلى كرلس فقبلها ونفى نسطوريوس إلى صعيد مصر فنزل أخميم ومات بها لسبع سنين من نزولها وظهرت مقالته في نصارى المشرق وبفارس والعراق والجزيرة والموصل إلى الفرات.
وكان بعد ذلك بإحدى وعشرين سنة المجمع الرابع بمدينة خلقدونية اجتمع فيه ستمائة وأربعة وثلاثون أسقفا من فتيان قيصر للنظر في مقالة ديسقورس بطرك الإسكندرية لأنه كان يقول: المسيح جوهر من جوهرين وأقنوم من أقنومين وطبيعة من طبيعتين ومشيئة من مشيئتين وكانت الأساقفة والبطاركة لذلك العهد يقولون بجوهرين وطبيعتين ومشيئتين وأقنوم واحد فخالفهم ديسقورس في بعض الأساقفة وكتب خطه بذلك ولعن من يخالفه فأراد مرقيان قيصر قتله فأشارت البطارقة بإحضاره وجمع الأساقفة لمناظرته فحضر بمجلس مرقيان قيصر وافتضح في مخاطبتهم ومناظرتهم خاطبته زوج الملك فأساء الرد فلطمته بيدها وتناوله الحاضرون بالضرب وكتب مرقيان قيصر إلى أهل مملكته في جميع النواحي بأن مجمع خلقدونية هو الحق ومن لا يقبله يقتل ومر ديسقورس بالقدس وأرض فلسطين وهو مضروب منفي فاتبعوا رأيه وكذلك اتبعه أهل مصر والإسكندرية وولي وهو في النفي أساقفة كثيرة كلهم يعقوبية.
قال ابن العميد: وإنما سمي أهل مذهب ديسقورس يعقوبية لأن اسمه كان في الغلمانية يعقوب وكان يكتب إلى المؤمنين من المسكين المنفي يعقوب وقيل بل كان له تلميذ اسمه يعقوب فنسبوا إليه وقيل بل كان شاويرش بطرك أنطاكية على رأي ديسقورس وكان له تلميذ اسمه يعقوب فكان شاويرش يبعث يعقوب إلى المؤمنين ليثبتوا على أمانة ديسقورس فنسبوا إليه.
قال: ومن جمع خلقدونية افترقت الكنائس والأساقفة إلى يعقوبية وملكية ونسطورية فاليعقوبية أهل مذهب ديسقورس الذي قررناه آنفا والملكية أهل الأمانة التي قررها جماعة خلقدونية بعدهم وعليها جمهور النصرانية والنسطورية اهل المجمع الثالث وأكثرهم بالمشرق وبقي الملكية واليعقوبية يتعاقبون في الرياسة على الكراسبي بحسب من يريدهم من القياصرة وما يختارونه من المذهبين.
ثم كان بعد ذلك بمائة وثلاثين سنة أو ثلاث وستين سنة المجمع الخامس بقسطنطينية في أيام يوسيطانوس قيصر للنظر في مقالة أقفسح لأنه نقل عنه أنه يقول: بالتناسخ وينكر البعث ونقل عن أساقفة أنقرا والمصيصة والرها أنهم يقولون أن جسد المسيح فنطايسا فأحضر قيصر جمعهم بالقسطنطينية ليناظرهم البطرك بها فقال البطرك: إن كان جسد المسيح فني فقوله وفعله كذلك وقال الأسقف أقفسح: إنما قام المسيح من بين الأموات ليحقق البعث والقيامة فكيف تنكر ذلك أنت؟ وجمع لهم مائة وعشرين أسقفا فأشادوا بكفره وأوجبوا لعنتهم ولعنة من يقول بقولهم واستقرت فرق النصارى على هذه الثلاثة.